موضوع: حين ترجل الشيخ عز الدين القسام 2007-03-01, 7:19 am
اهدي موضوعي هذا الى اخي الغالي محمد نعمان قسام حفيد الشيخ عز الدين القسام ورحم الله شيخنا واسكنه فسيح جناته
المجاهد عز الدين القسام : حين ترجل الشيخ عز الدين القسام عن أكف مشيعيه وأعناقهم، ووسد لحده ألقى خطبته الأخيرة، فدوت كلماته الصامتة في سمع الزمان ولازالت، فالرجل الذي تنقل بين مصر وسوريا وفلسطين خطيباً مفوهاً وعالماً شرعياً ينشر الهدى والتعاليم السمحة، غدا مفجر أول ثورة فلسطينية مسلحة ضد الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية.
وفي اليوم التالي للجنازة كتب الأستاذ والمؤرخ الفلسطيني أكرم زعيتر يقول:
"لقد سمعتك قبل اليوم خطيباً مفوهاً، تتكىء على السيف ونهدر من فوق المنبر، وسمعتك اليوم خطيباً تتكىء على الأعناق، ولا منبر تقف عليه، ولكنك اليوم أخطب منك حياً".
باستشهاده بدا الشيخ عز الدين القسام معلماً بارزاً من معالم المقاومة الفلسطينية وواضح أسس المقاومة المسلحة، وكان الشيخ وهو من مواليد بلدة جبلة جنوب مدينة اللاذقية السورية عام 1882م قد وصل فلسطين في عام 1921م عقب فشل ثورة جبال العلوين (1919-1920م) السورية ضد الاحتلال الفرنسي والتي أبلى فيها الشيخ القسام بلاء حسناً دفع الفرنسيين لمحاولة مهادنته من خلال شرائه فعرضوا عليه القضاء لشراء ولائه غير أنه رفض فأصدر الديوان العرفي عليه حكماً غيابياً بالإعدام.
نشأ القسام في بيت علم وتقي وأم الجامع الأزهر وهو في الرابعة عشر من عمره وتلقى العلوم الشرعية فيه على أيدي مجموعة من أبرز أئمة الجامع ومنهم الشيخ محمد عبده وحين غادر الأزهر الشريف في عام 1930.
مكان القسام يحمل شهادة الأهلية وآثاراً غائرة في نفسه خلفتها سنوات الدراسة في الأزهر بؤرة العمل الوطني في مصر خلال واحدة من أكثر مراحل التاريخ غلياناً.
وحين عاد إلى جبلة تولى الإشراف على كتاب والده لتعليم الصبية القرآن الكريم وعلومه كما عمل في نفس الوقت خطيباً في المسجد المنصوري وغدا موضع احترام العامة وتقديرهم وحين نزلت القوات الإيطالية للسواحل الليبة قاد القسام التظاهرات وحرض الجماهير على التطوع لمقاتلة الإيطاليين وانتقى لهذه الغاية 250شاباً من أهالي جبلة للسفر معه إلى ليبيا غير أن السلطات العثمانية منعت القسام ورجاله من السفر مجاهدين دفاعاً عن ليبيا.
** وحين اندلعت ثورة الشيخ صالح العلي ضد الاستعمار الفرنسي ترك الشيخ القسام قريته على الساحل السوري وهاجر مع أسرته إلى قرية الحفة الجبلية ذات الموقع الحصين لمواصلة نشاطه مع الثوار وظل يكر منها ويفر إليها رغم تشديد الملاحقة الفرنسية ضده حتى إذا فشلت الثورة واستتبت الأوضاع مؤقتاً للمحتل الفرنسي نقل الشيخ عز الدين القسام مرة أخرى أسرته ويمم وجهه شطر فلسطين.
** وفي حيفا عمل مدرساً وإماماً لمسجد الاستقلال وفي إطار سعيه للنضال انتسب لجمعية الشبان المسلمين أصبح رئيساً لها عام 1926م واستثمر تعينه مأذوناً شرعياً في التعرف على الناس وعاداتهم وأخبارهم وهو أمر ساعده كثيراً في وقت لاحق لتشكيل المنظمات السرية.
وقد استشعر القسام مبكراً بخطر الحركة الصهيونية ورأى بفكره الثاقب ضرورة ضرب قاعدة هذا الخطر ممثلة بالاستعمار البريطاني وذلك في وقت كانت تسعى الزعامات والأحزاب الفلسطينية لمفاوضة بريطانيا وتتجنب مواجهتها.
** وجدت تجربة القسام الثورية في جبال العلويين تعبيراً عملياً في فلسطين فقد آمن الرجل أن لا سبيل للتحرر إلا السلاح ولا حل للقضية الفلسطينية إلا عن طريق الجهاد أما الأحزاب السياسية فكانت معظمها أحزاب عائلات وزعامات إقطاعية فهي ضرب من العبث والألاعيب ما لم تكن قائمة على الإيمان الصحيح أما نظرته للمركز والجاه فكانت كما يروي رفاقه نظرة بغضاء مطلقة وصفه أحد أصدقائه بعد استشهاده فقال "هذا الرجل عنده النعم نعم، والـ لا لديه لا".
ورغم ريادته في تشكيل منظمة مسلحة تخوض غمار المواجهة ضد المحتل إلا أن المؤرخين الذين أرخوا لمنظمته أجمعوا على أنه نجح في تجاوز أخطاء البدايات فأثنوا على دقة تنظيمه وقدرته الفائقة على الاختيار والكتمان الشديد لقد آمن القسام أن الاكتفاء بالإضرابات والتظاهرات الاحتجاجية لا يخلف إلا الضوضاء والشهداء والمعتقلين فيما العربة الصهيونية تمضي بهدوء وصمت تحت حراسة حراب المحتل ورعايته فانطلق يعمل على إعداد الجماهير نفسياً للثورة وساعده في ذلك عدد من المجاهدين العرب أمثال الشيخ كامل القصاب(سوري) وهاني أبو مصلح (لبناني) فكانت أنشطته العلنية في الوعظ والتدريس ستاراً لعمله الأساسي في بناء الثورة واختيار الصالحين لها من بين تلاميذه ومستمعيه وأعانه عمله مأذوناً شرعياً على ارتياد القرى المجاورة والتعرف على أهلها وعقد صلات معهم وهكذا مرت السنوات وتكاثر أتباعه والمؤمنين بدعوته وقد كان يختار هؤلاء بعد اختبار يمتد سنوات وشرط الانضمام أن يشتري المجاهد سلاحه الأول من ماله الخاص ليكون بذل المال تدريباً عملياً على الاستعداد لبذل الروح في سبيل الله.
لم يسم القسام منظمته، إذ لم ينشغل بالعناوين، أما الهدف فتلخصه كلمات الشيخ الموجزة لتلاميذه أنصاره:"هذا جهاد:نصر أو استشهاد" فالدرب درب بذل ومغارم دنيوية، لاموا قع فيه للمغانم الزائلة.
** أمضى الشيخ القسام سنين طويلة في اختيار العناصر وإعدادها وتربيتها على التعاليم الإسلامية ورفض الانجرار للمعركة قبل استعمال الاستعداد مما حدث انقساماً في ظل الكتمان في منظمته من جراء رفضه إعلان الثورة رداً على أحدث البراق 1929م. آمن الشيخ القسام بالفلاحين والعمال لأنهم أكثر الفئات استعداداً للتضحية وذهب أبعد من ذلك في مخالفة قادة الأحزاب النخبوية فآمن ليس فقط بالطبقات الكادحة بل وبالمنحرفين منها، فقد آمن أن جرأة السارق والقاتل والمنحرف قابلة للتحول إلى شجاعة حقيقية إذا أرتد هذا المنحرف عن غيه وآمن بالله وبالجهاد في سبيله.
** يروي حسين الباير أحد رفقاء القسام الذين اعتقلوا عقب معركة "أحراش يعبد"تجربته مع القسام بقوله: أنا من قرية بلقيس وكنت أسرق وأرتكب المحرمات فجاءني الشيخ المرحوم عز الدين القسام وأخذ يهديني ويعلمني الصلاة وينهاني عن مخالفة الشرع الشريف وأوامر الله تعالى .وقبل مدة أخذني الشيخ المرحوم عز الدين القسام إلى أحد جبال بلقيس وهناك أعطاني بندقية فسألته لمن هذه ؟ فأجاب لأجل أن تتمرن عليها وتجاهد مع إخوانك في سبيل الله.
** توالي الهجمات في منطقة جغرافية محددة أدى إلى تشديد المراقبة على القسام ورجاله خاصة بعد اعتقال بعضهم ولتجنب حملة اعتقالات تطاله وأركان المنظمة الناشئة قرر القسام ونحو عشرة من رفاقه مغادرة حيفا نحو أحراش يعبد قرب مدينة جنين ويعتقد أن القسام أراد استكمال مرحلة الدعوة إلى الثورة من مكانه غير أن خللاً وقع فيه حارس المجموعة كما تروي بعض المصادر أفضى إلى مصرع جندي بريطاني ولفت أنظار قوات الاحتلال التي حاصرت الموقع حيث دارت معركة رفع خلالها القسام شعاره الشهير" موتوا شهداء" وانتهت المعركة باستشهاده واستشهاد الشيخ يوسف عبد الله الذيباوي وهو من أهالي قرية الذيب قضاء عكا وسعيد عطية أحمد وهو مصري ،ومحمد أبو قاسم خلف فيما اعتقل الشيخ حسن الباير والشيخ أحمد جابر والشيخ عربي البدوي والشيخ محمد يوسف وجرح الشيخ نمر السعدي واعتقل.
**استشهاد القسام كان دفقة الدم التي سرت في كلماته مواعظه فالرجل وإن حصر نشاط دعوته في منطقة واحدة مما أسهم في إجهاد بواكير ها إلا أن موته نشر الفكرة التي جاهد فيها طويلاً فغداً القساميون بالآلاف وقاد من تبقى من رفاقه المجموعات السرية التي قادتها الثورة الفلسطينية خلال الأعوام 1936-1939م.
**خروج القسام واستشهاده كانت صفعة مدوية على وجوه الزعامات التي أهلكتها الصراعات والتكالب على المكاسب فجرفتها عن المصلحة الوطنية الحقيقية فهي لم تخرج في جنازته بل مسارعة إلى لقاء المندوب البريطاني لتحذيره من عدم التجاوب مع مطالبه السياسية سيقوض نفوذهم الجماهيري ويؤدي إلى انتشار الأفكار المتطرفة في صفوف الجماهير!!!.